السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
يسرني أيها الاخوه ان أكتب لكم سيرة فاروق هذه الامه الذي قال فيه ابن مسعود رضي الله عنه ( كان اسلامه فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمارته رحمه ) وسأحاول قدر المستطاع ان ألخص لكم حياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ووالله تعجز الايدي عن كتابة فتوحات امير المؤمنين عمر وتاريخه وتواضعه وزهده ولاكن سأذكر لكم شطراْ من حياة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه .
اسمه كاملا رضي الله عنه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح ابن عدي بن كعب القرشي
أسماء زوجاته رضي الله عنه
زينب بنت مظغون ابن حبيب وانجبت له عبدالله - عبد الرحمن الأكبر - حفصة ام المؤمنين هي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم
ام كلثوم بنت جرول الخزاعيه وانجبت له عبيد الله - زيد الأصغر
جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح الأوسي وانجبت له عاصم وهو جد الخليفه عمر بن عبد العزيز
أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانجبت له زيد الاكبر - رقية
أم حكيم بنت الحارث بن هشام ابن المغيرة وانجبت له فاطمة
حبيبة بنت الخارجة الأنصارية وانجبت له عياض
وله امتان
فكيهة وانجبت له عبد الرحمن الأوسط - زينب
لهية وانجبت له عبد الرحمن الاصغر
عمر بن الخطاب في الجاهلية
في رحاب مكة المكرمة ، وجوها القائظ ، وريحها اللافحة ، وصحاريها المقفره ، وبعد حادثة الفيل بثلاث عشرة سنة ؛ ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حيث نشأ في كنف والده ، وورث عنه طباعه الصارمة ، التي لا تعرف الوهن ، والحزم الذي لا يدانيه التردد ، والغلظة التي لم يعرف فيها ألوان الترف ، ولا مظاهر الثراء التي تحقق له ما يريد .
أمضى شطرا من حياته في الجاهليه ، ونشأ كأمثاله من أبناء قبيلته ، وامتاز عليهم بأنه كان ممن تعلم القراءة والكتابة واصبح واحدا من سبعة عشر يتقنون ذلك ، فحفظ الشعر وأيام العرب ، وأنسابهم ، غير أن أباه لم يتركه ليستمتع بالقراءة بعد أن تعلمها ، بل حمله على أن يرعى له الإبل في الوديان المعشبة المحيطة بمكة ، وأقبل على تعلم الفروسية والمصارعة حتى اتقنهما ، فكان يمسك اذن الفرس بيد ، والاذن الاخرى بيده الاخرى ثم يثب على الفرس حتى يقعد عليه بين اعجاب الشباب من قريش ، وينطلق بالفرس يسبق كل من يسابقه ، ولقد تفوق في المصارعه حتى صرع كل من صارعه .
اشتغل عمر رضي الله عنه بالتجارة وربح منها ما جعله في وضع مادي لا بأس به ، وكسب معارف متعددة في البلاد التي زارها للتجارة ، فرحل الى الشام صيفا والى اليمن شتاءْ ، واحتل مكانة بارزة في المجتمع المكي الجاهلي ، وأسهم بشكل فاعل في بناء تاريخ اسرته ، حيث كان جده نفيل بن عبد العزى تحتكم اليه قريش في منازعاتها ، فضلاْ عن ان جده الاعلى كعب بن لؤي كان عظيم القدر والشأن عند العرب ، فقد ارخوا بسنة وفاته الى عام الفيل ، وتوارث عمر عن اجداده هذه المنزلة الكبيرة ، قال عنه ابن سعد : (( إن عمر كان يقضي بين العرب في خصوماتهم قبل الاسلام )).
ولا ضير في ذلك فهو من أشراف قريش وإليه كانت السفارة ، وقال عنه إبن الجوزي (( كانت السفارة الى عمر بن الخطاب ، إن وقع حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيرا ، او نافرهم منافر ، او فاخرهم مفاخر ، بعثوه منافراْ ومفاخراْ , ورضوا به رضي الله عنه )).
كان أهل مكة في الجاهلية يعبدون الاصنام ، ويتقربون إليها ، وكان عمر احد هؤلاء الذين عكفوا على عبادتها ، وكان شبابها يشربون ويطربون ، فأدلى عمر بدلوه معهم ، وأسام سرح اللهو حيث أساموا ! إلا أن ولعه بالمعرفة شغل كثيرا من الوقت الذي يستهلكه غيره من الشباب في الملهيات .
ذلكم هو عمر بن الخطاب في الجاهلية : رجل قوي البنيان ، رابط الجأش ، ثابت الجنان ، صارم حازم ، لا يعرف التردد والأرجحة ، احتشدت في شخصيته الرجولة الحقة التي اكسبته مكانة بين قومه في الجاهلية والاسلام .
صفاته الخلقية :
أبيض أمهق ، تعلوه حمرة ، حسن الخدين والأنف والعينين ، غليظ القدمين والكفين ، مجدول اللحم ، طويلاْ جسمياْ أصلع ، قد فرع الناس طولاْ ، كأنه راكب على دابة ، وكان قويا شديداْ ، لا واهناْ ، ولا ضعيفاْ ، وكان يخضب بالحناء ، وكان طويل السبلة ( طرف الشارب ) وكان اذا مشى أسرع ، واذا تكلم أسمع ، واذا ضرب اوجع ، اعسر يسر ، يعمل بكلتا يديه .
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كانت أول شعاعة من نور لامست قلبه ، يوم رأى نساء قريش يتركن بلدهن ويرحلن إلى بلد بعيد عن بلدهن بسبب ما لقين منه ومن غيره من كفار مكة ، فرق قلبه ، وعاتبه ضميره ، فرثى لهن ، وأسمعهن الكلمة الطيبه التي لم يكن يطمعن ان يسمعن منه مثلها .
قالت ام عبد الله بنت حنتمة : لما كنا نرتحل مهاجرين الى الحبشة ، أقبل عمر حتى وقف علي ، وكنا نلقى منه البلاء والاذى والغلظه علينا ، فقال لي : انه الانطلاق يا أم عبد الله ؟ قلت نعم ، والله لنخرجن في ارض الله ، آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله لنا فرجاْ ، . فقال عمر : صحبكم الله . ورأيت منه رقة لم أرها قط . فلما جاء عامر بن ربيعة - وكان قد ذهب الى بعض حاجاته - وذكرت له ذلك ، فقال : كأنك قد طمعت في إسلام عمر ؟ قلت له نعم . فقال : انه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب . لم يكن أحد يصدق ان عمر يسلم ، ولكن الله إستجاب فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : (( اللهم أعز الاسلام بأحب الرجلين إليك : بأبي جهل بن هشام ، او بعمر بن الخطاب )) فكان من فضل الله على عمر أن كان أحب الرجلين إلى الله .
وبينما كانت قريش قد اجتمعت فتشاورت في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أي رجل يقتل محمداْ ؟ فقال عمر بن الخطاب : أنا لها ، فقالوا : انت لها ياعمر . فخرج في الهاجرة ، في يوم شديد الحر ، متوشحاْ سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضاْ من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعلي وحمزه رضي الله عنهم في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكه ولم يخرج فيمن خرج الى ارض الحبشه ، وقد ذكروا له انهم اجتمعوا في دار الارقم في اسفل الصفا . فلقيه نعيم بن عبد الله النحام ، فقال : اين تريد يا عمر ؟ قال أريد هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها فأقتله ، قال له نعيم : لبئس الممشى مشيت يا عمر ، ولقد والله غرتك نفسك من نفسك ، ففرطت وأردت هلكة بني عدي ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداْ ؟ فتحاورا حتى علت أصواتهما ، فقال عمر : إني لأظنك قد صبوت ولو أعلم ذلك لبدأت بك ، فلما رأى النحام أنه غير منته قال : فإني اخبرك ان اهلك واهل خنتك قد اسلموا وتركوك وما انت عليه من ضلالتك .
فلما سمع مقالته قال : وأيهم ؟ قال : خنتك وابن عمك واختك .
فلما سمع عمر ان اخته وزوجها قد اسلما احتمله الغضب فذهب اليهم فلما قرع الباب قالوا : من هذا ؟ قال : ابن الخطاب . وكانوا يقرؤون كتابا في ايديهم ، فلما سمعوا حس عمر قاموا مبادرين فاختبؤوا ونسوا الصحيفه على حالها . فلما دخل ورأته اخته عرفت الشر في وجهه ، فخبأت الصحيفه تحت فخذها قال : ما هذه الهيمنة ( الصوت الخفي ) التي سمعتها عندكم ؟ ( وكانوا يقرؤون طه ) فقالا : ما عدا حديث تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما ، فقالت اخته : ارأيت يا عمر ان كان الحق في غير دينك ؟.. فوثب عمر على خنته ( اي زوج اخته ) سعيد وبطش بلحيته فتواثبا ، وكان عمر قوياْ شديداْ فضرب بسعيد الارض ووطئه وطأْ ثم جلس على صدره ، فجاءت اخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحه بيده ، فدمى وجهها ، فقالت وهي غضبى : يا عدو الله ، اتضربني على ان اوحد الله ؟ قال نعم . قالت : ما كنت فاعلا ففعل ، اشهد ان لا اله الا الله وان محمداْ رسول الله ، لقد اسلمنا على رغم انفك ، فلما سمعها عمر ندم وقام عن صدر زوجها فقعد ، ثم قال : اعطوني هذه الصحيفه التي عندكم فأقرأها ، فقالت اخته لا افعل . قال : ويحك ، قد وقع في قلبي ما قلت ، فأعطينيها انظر إليها ، وأعطيك من المواثيق ان لا اخونك حتى تحرزيها حيث شئت . قالت : انت رجس ؛ ( ولا يمسه إلا المطهرون ) فقم فاغتسل او توضأ ، فخرج عمر ليغتسل ورجع الى اخته فدفعت اليه الصحيفه ، وكان فيها طه وسور اخر فرأى فيها : بسم الله الرحمن الرحين ، فلما مر بالرحمن الرحيم ذعر ، فألقى الصحيفه من يده ، ثم رجع الى نفسه فأخذها فإذا فيها : ( الايات من 1 - 8 من سورة طه ) فعظمت في صدره . فقال : من هذا فرت قريش ! ثم قرأ فلما بلغ الى قوله تعالى : (( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري * إن الساعه آتية أكاد أخفيها لتجزي كل نفس بما تسعى * فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) طه 14 - 16 . قال : ينبغي لمن يقول هذا ان لا يعبد معه غيره ، دلوني على محمد . فلما سمع خباب ذلك خرج من البيت فقال : أبشر يا عمر ، فإني ارجوا ان تكون قد سبقت فيك دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين : ( اللهم اعز الاسلام بأحب الرجلين اليك : بأبي جهل بن هشام ، او بعمر بن الخطاب ) قال : دلوني على مكان رسول الله ، فلما عرفوا منه الصدق قالوا : هو اسفل الصفا . فاخذ عمر سيفه فتوحشه ثم عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وضرب عليه الباب ، فلما سمعوا صوته وجلوا - وكان حمزه وطلحة على الباب والنبي صلى الله عليه وسلم داخل يوحى اليه - ولم يجترئ احد منهم ان يفتح له ، لما قد علموا من شدته على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى حمزه وجل القوم ، قال : مالكم ؟ قالوا عمر بن الخطاب ؟ قال : عمر بن الخطاب ؟ افتحوا له ؛ فان يرد الله به خيراْ يسلم ، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هيناْ . ففتحوا له ، واخذ بحجزته وبجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة ، وقال : (( ما جاء بك يا ابن الخطاب ؟ والله ما ارى ان تنتهي حتى ينزل الله بك قارعه )) فقال له عمر : يا رسول الله ، جئتك اومن بالله وبرسوله وبما جئت به من عند الله ، قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أهل البيت من أصحاب رسول الله ان عمر قد أسلم ، فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في انفسهم حين اسلم عمر مع حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وعرفوا انهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينتصفون بهما من عدوهم )) .
لما اسلم عمر اسلم بإخلاص ، وعمل لتاكيد الاسلام بمثل الاندفاع الذي كان يعمل به لمحاربته ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بلى ، والذي نفسي بيده إنكم على الحق ، إن متم وإن حييتم .
قال عمر : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن وكان الرسول صلى اللع عليه وسلم قد رأى انه قد آن الأوان للإعلان ،وان الدعوة التي كانت كالوليد الضعيف الذي لا بد له من الرعاية والحفظ قد غدت قوية تدرج وتمشي وتستطيع ان تدافع عن نفسها ، فأذن بالاعلان وخرج صلى الله عليه وسلم في صفين ، عمر في أحدهما ، وحمزه في الاخر وكان لصفين كديد ككديد الطحين ، حتى دخل المسجد ، فنظرت قريش الى عمر وحمزه ، فأصابتهم كآبه لم تصبهم قط وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ( الفاروق )
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال : ( ما زلنا اعزة منذ اسلم عمر ) . وقال : ( كان اسلام عمر فتحاْ ، وكانت هجرتة نصراْ وكانت امارته رحمة ؛ لقد رأيتنا وما نستطيع ان نصلي بالبيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا ) .
كان إسلام عمر رضي الله عنه في السنه السادسه من النبوة بعد اسلام حمزة رضي الله عنه بثلاثة أيام في ذي الحجة . وكان المسلمون يومئذ تسعة وثلاثين . قال عمر رضي الله عنه : لقد رأيتني وما اسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تسعة وثلاثون رجلاْ فكملتهم أربعين . فأظهر الله دينه ، واعز الاسلام . وروي انهم كانوا اربعين او بضعة واربعين رجلاْ وإحدى عشر امرأة ، ولكن عمر لم يكن يعرفهم لأن غالب من أسلم كان يخفيه خوفاْ من المشركين ، ولا سيما عمر فقد كان عليهم شديداْ فذكر انه اكملهم اربعين ولم يذكر النساء لأنه لا إعزاز بهن لضعفهن .
وحسب لإسلام عمر مكانة ورفعة وسمواْ قول ابن عباس : لما اسلم عمر قال المشركون : قد انتصف القوم منا وأنزل الله : ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) الانفال : 64 .