قد يسمع الكثير منا عن الشركس أو الشراكسة , و لكن القليل من يعرف أصولهم
فمن هم الشراكسة إذا :
أرض القوقاز : و هي البقعة الواقعة بين البحر الأسود غربا و بحر قزوين شرقا , و شمالا من نهر القوما وصولا
إلى هضبة أرمينيا جنوبا , مساحة هذه الأرض تقدر { 400 } ألف كيلو متر مربع و تنقسم المنطقة لقسمين
الأول يعرف بشمال القوقاز
و الثاني جنوبها { ما وراء القوقاز } و تنتشر فيها سلسلة جبال هائلة تختلف ارتفاعاتها من قمة للأخرى أعلى قممها جبل { البروز } يكسوه الثلج دائما و يدعونه شيخ الجبال أو الجبل
المبارك و ترتفع قمته بعلو 5600 م و منها ينحدر نهر قوبان , و السلسلة الجبلية تبدأ مرتفعة بالشمال و تنخفض كلما اتجهنا جنوبا , و تكسو هذه الجبال غابات كثيفة جدا و مخيفة أحياناً .
تلك هي طبيعة الأرض التي عاش بها شعب القوقاز و هو الاسم الجامع لكل سكانها أما اسم شركسي فهو وصف أطلقه الأجانب على شعوب و قبائل شمال القوقاز .
إذ لا توجد أي قبيلة تحمل اسم القبيلة الشركسية { وربما أن أصل هذه التسمية إيراني أو تتري } فهو يعني سكان القوقاز جميعا و التي تجمعهم حضارة واحدة و إن اختلفت لغاتهم .
وتضم شعوب شمال القوقاز { الأديغة - البجدوغ -الأبازاخ - الشاب سوغ - القرشاي -التشمقواي -
النختواي - الوي ناح - الداغستان الشيشان .. الخ}.
و قد أكد العالم الألماني باخ أن أرض القوقاز هي المصدر الأساسي للجنس الأبيض .و قد سماها السلالة القوقازية و إليها ينسب سكان آسيا الصغرى و أوروبا و شعوب المنطقة العربية و إيران .
كان لموقع القوقاز أهمية كبيرة فهي صلة الوصل بين وسط آسيا و أوروبا ومنها عبرت الهجرات البشرية باتجاه الغرب كما انتقلت عبرها الحضارات بين الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب , و قد كانت الطريق التجاري الأمن بين الهند و الصين إلى أوروبا و ذلك قبل أن يبحر الأوروبيون بطريق رأس الرجاء الصالح و قبل شق قناة السويس و القوقاز تكثر فيه الغابات و السهول و نظرا ً لكثرة أمطاره تنتشر فيه المحاصيل بشتى أنواعها و لعل البترول أهم ثرواته الباطنية .
أم القبائل :
يجمع المؤرخون أن القبيلة الأم لشعوب شمال القوقاز هي قبيلة " آنت -ANT "التي كانت تقطن شمال لبحر الأسود و قد سمي نهر القوبان آنذاك " نهر آنتي " نسبة لتلك القبيلة , و قد بقي هذا الاسم يتردد في الأغاني و الملاحم الوطنية الشركسية كما هو محفوظ إلى الآن , و يضيف المؤرخون أن أبناء هذه القبيلة هم أحفاد " الحثيين " . حيث يؤكد أن الخط " الميخي " الذي استعمله الحثييون لا يزال مستعملا عند الشر اكس على شكل شعارات للقبائل , و أن ما تبقى من لغة الحثيين على قلتها إنما هي لغة الشراكسة و تنطبق عليها تماما ,
إضافة إلى أن التاريخ الفرعوني المصري قد حفظ بمخطوطاته الكثير عن معتقدات الحثيين و عن نمط ملابسهم . و قد ذكر العلماء أيضا أن الحثيين وصلوا للشرق من هضبة الأناضول بعد هجرات طويلة و متتالية بدأت من أواسط الآلف الثالث قبل الميلاد و قد توسع ملكهم و نفوذهم حتى شمل في أوج قوتهم آسيا الصغرى و بلاد ما بين النهرين و سوريا حتى الحدود المصرية و ذلك في القرن الخامس عشر قبل الميلاد , و قد انتهى الوجود السياسي لهم بحلول عام سبعمائة قبل الميلاد , لكن وجودهم البشري استمر إلى أن انصهرت عشائرهم بالمجتمعات المحلية . وقد ورد ذكر الحثيين في العهد القديم { أن إبراهيم الخليل عليه السلام عندما هاجر من بلاد ما بين النهرين و وصل إلى حبرون " الخليل " اشترى كهفاً من الحثيين }.
و بعد .. فقد أجمعت البحوث و الدراسات أن الشراكسة " القوقازيون " هم فعلا أحفاد الحثيين , و أنهم من الأمم العريقة الضاربة في التاريخ.
التربية الشركسية و العادات:
مصطفى حسن الجركس
لمحة عن القفقاس
تقع بلاد القفقاس بين الشاطئ الشرقي للبحر الأسود والشاطئ الغربي لبحر قزوين. فهي بهذا الموقع ممر للأمم التي تنحدر من الشمال إلى الجنوب، أو تصعد من الجنوب إلى الشمال أثناء غزواتهم وفتوحاتهم، الأمر الذي جعل سكان هذه البلاد معرضين لحروب ضارية ومتواصلة وهم لكي يدافعوا عن أوطانهم ويقوها من شر الغزاة الطامعين الذين يفوقونهم بالعدة والعدد، ادخلوا في جميع عناصر حياتهم، ومقومات وجودهم، بل وفي حياتهم اليومية، تقاليد وعادات لها اتصال مباشر بالرجولة والفروسية، فعرفوا بهذه الخلال بين شعوب العالم. وأكبرت هذه الشعوب شجاعتهم وبسالتهم وشدة مراسهم في أوقات الحرب والسلم على السواء وعرف سكان هذه البلاد المسلحين ( بالجراكسة ) وهم مؤلفون من عدة قبائل يشترك جميعهم باللباس والعادات والأماندر، ويتفرقون باللغات إذ لهم لغاتهم الخاصة وبعضهم لهاجت قريبة من بعضهم الآخر. وكما أن طبيعة بلادهم تساعدهم على الحرب، إذ أن أكثرها جبلية، ويبلغ ارتفاع بعضها ما لا يقل عن (5640 قدما) وهي مكسوة بالأحراش السندسية، والأشجار المثمرة الطبيعية، والمناجم الحديدية والنحاسية، وأما سهولها فغنية التربة، اشتهرت بوفرة المحصول وقد كانت الأجيال متعددة عرضة لهجمات الغازين الطامعين في أراضيها الخصبة الجميلة، يدمرون قراها، وينهبون خيراتها، غير أنهم لم يتمكنوا من قهر وإذلال أهاليها كما حدث في غزوات اليونان والرومان والمغول والتتر وحربهم السنين الطوال مع الإمبراطورية الروسية، التي تسببت بهجرة الملايين من سكانهم لأنهم لم يكنوا ولم يرضخوا لعيشة الذل والخنوع أبداً.
عادة الرضاع قديمة جداً في بلاد القفقاس، وذلك لربط صلة الجيرة بصلة القربى بوساطة الرضاع الذي يجعل سكان القرية عائلة واحدة، فيضطرون لذلك أن يصاهروا ويناسبوا من القرى المجاورة لهم، فيوجد هذا التوسع أسبابا لتزاور أهل القرى بعضهم لبعض أثناء السلم، وشد أزر بعضهم البعض وقت الحرب، إذ أنهم من الرضاع والمصاهرة والنسب شكلوا كتلة قوت دعائم القومية.
الجركسية في الطفولة
الأطفال عندما يولدون يبقون في حجور أمهاتهم، بعيدين عن الوالد التي تقضي واجبات رجولته ألا يداعبهم ولا يملهم ولا يكلمهم حتى ولا يأكل معهم، وذلك لأجل أن لا تؤثر وعليهم العاطفة، إذ العاطفة والرجولة ضدان لا يجتمعان. فقتلوا لذة والعطف والحنان، وخلقوا لذة الرجولة والهيبة والاحترام. وهم لذلك تركوا تربية الأطفال لأمهاتهم اللواتي هن سيدات مملكتهن الداخلية لتذكي فيهم روح التربية الأساسية من صدق واستقامة، إلى أن يقوى عودهم، ويبدأ نضوج تفكيرهم فتهدأ عندئذ في إذكاء روح الشجاعة والنبل في نفوسهم، وتراقبهم أثناء لعبهم ولهوهم فتشجعهم إذا أصابوا، وتؤنبهم إذا أخطأوا حتى يخرجوا من دور الطفولة، ويدخلوا في طور الشباب، فيبدؤون بمساعدة والديهم، الولد مع أبيه، والبنت مع والدتها، وعند فراغهم من أعمالهم اليومية، يذهبون للساحات العامة للتسلية بالألعاب الرياضية التي قلما تجد شابا ليس له هواية خاصة، حتى البنات لهن رياضتهن الخاصة بهن، وبعد الغروب يعودون إلى بيوتهم للعشاء واستبدال ملابسهم استعداد للذهاب إلى السهرات التي تجمع عادة الفتيان والفتيات. وفي هذه السهرات يتسامرون ويغنون ويرقصون فالسمر عندهم علم وتاريخ وحكايات معظمها بمدح الفتيان والفتيات الذين يعرفونهم أو يسمعون عنهم من ذوي الخصال الحميدة، ليتشوق الكل إلى التحلي بصفاتهم، أما الأغاني فأكثرها حماسي ورثائي لا يخلو بعضها من الغزل الرقيق، وأما الرقص فيعدونه من الرياضة والفروسية، فتعليمه فرض على كل فتى وفتاة.
طور الشباب
من الطبيعي في مثل هذه السن، أن يبدأ بالإنسان طبيعة حب الظهور بالملبس والأناقة والقوة والأدب والرياضة، وما شابه ذلك ابتغاء نيل المديح والثناء من معارفه وذويه، وبالأخص من الحسان اللائي لهن الأثر الفعال بخلق المنافسة الشريفة بين الشباب، ومن تلك الآثار نذكر هذه العادة الشريفة.
تحضر الآنسات لمهرجان المسابقات ومعهن الهدايا التي يصنعها عادة بأيديهن ليقدمنها للفائزين. وللفائز مطلق الحرية أن يأخذ الهدية التي تروقه من أي بنت شاء وفي أكثر الحالات ينتخب الفائز هدية البنت المتحيزة للشاب المنافس له، ليغتبط الجمهور من تحديه لمنافسه مرة ثانية. فيلهب هذا التحدي مشاعر المتنافسين ومن يشايعهم من الشبان والشابات، فسيتعدون بكل ما أوتوا من جهد وعناء لمسابقة الأخذ بالثأر. فهل تظن أن فتى في أي حلبة رياضية في الشعوب يلقى جائزة أثمن في عينيه وأحلى على قلبه وشبابه وأرضى لرجولته، من هذه الجائزة التي يتناولها من اليد الجميلة، وهو يستعرض سرب الحسان الفاتنات المسرورات منهن وغير المسرورات ويعود الفائز لداره وكأنه ملك الدنيا بانتصاره، ويعود المغلوب خجلا يختبئ في داره. فيمثل هذه العادات كانوا يشجعون ويحمسون شبابهم.